سمعت إليه وهو يُناجي اللَّه ويقول:" مَن أنا يارب، حتى أتحدث إليك؟! أنا التراب، وأنت كل العظمة وكل المجد .. أنا الخاطئ الذي يضعف أمام حروب الشياطين ويسقط في كل يوم! كيف أقف يارب أمامك، وأنت القدوس الكُلي القداسة، المُحاط بملائكتك القديسين، يُسبِّحونك كل حين. ومعهم أرواح الأبرار من البشر، الذين يفعلون باستمرار ما يُرضيك..؟!
كان يجب عليَّ يارب أن أدرك مَن أنا ومَن أنت؟! ولكنني تجرأت، وفتحت فمي لأتحدَّث إليك، وأنا غريب عن ملكوتك. لستُ من هذا الجمع المقدس الذي لك والذي هو حولك. وليست لي دالة أن أتكلَّم. فاغفر لي يارب هذه الجرأة ... ".
?? وهنا تدخلت وقلت لذلك الصديق: لا يا أخي، لا تظن أن اللَّه هو إله الأبرار فقط، الأقوياء في روحياتهم، بل هو إله الكل. هو إله الخطاة أيضاً. يشفق عليهم في سقوطهم، ويجذبهم إليه بأنواع وطُرق شتَّى، حتى يقودهم إلى التوبة. وهو ليس فقط إله الأقوياء. بل هو أيضاً إله الضعفاء المحتاجين إلى قوة منه، تسند ضعفهم وتمنحهم القوة.
?? إنَّ الضعفاء والساقطين والخطاة هم أحوج الناس إلى اللَّه، وهو لا يتخلَّى عنهم. " لأنه
لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى ". وقد سألوا مرة رجلاً إعرابياً: مَن هو أحب أبنائك إليك؟ فقال: " الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يُشفى، والغائب حتى يعود ". يقصد الأكثر احتياجاً. فإن كان القلب البشري هكذا، فكم بالأكثر قلب اللَّه؟! لا شكَّ إن كل المحتاجين يجدون فيه كل العطف وكل الحنو. " إنه مُعين مَن ليس له مُعين، ورجاء مَن ليس له رجاء ".
?? إن اللَّه هو إله الكل. هو إله العصفور المسكين، ينقذه من فخ الصيادين. وهو أيضاً إله الصيادين الذين نصبوا الفخ لهذا العصفور. وهو الحافظ التوازن بين كل هؤلاء.
?? إنَّ اللَّه ليس لشعب واحد من شعوب الأرض. بل هو لشعوب الأرض كلها. السُّود والبيض والصُّفر والسُّمر، كلهم خليقته، وكلهم تحت رعايته وموضع اهتمامه، بما فيهم من صالحين وخُطاة، وبما فيهم من رعية ورُعاة. اللَّه يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.
?? فلا يظن الخاطئ أنه ليس من رعية اللَّه، أو أن اللَّه لا يهتم به! لو كان الأمر هكذا، ما كان ممكناً لأي خاطئ أن يتوب! ولكن مشيئة اللَّه غير ذلك. فاللَّه يشفق على الخطاة جميعهم. ويرسل إليهم نعمة لتعمل في ضمائرهم وقلوبهم وأفكارهم، وتقودهم إلى التوبة. ولعلَّ من الأمثلة الواضحة القديس أوغسطينوس الذي كان بعيداً جداً عن الإيمان، وعن حياة الفضيلة، وكانت أمه تُصلِّي من أجله بدموع كثيرة. كيف أن اللَّه اقتاده إليه؟ فصار مؤمناً، وتائباً وقديساً.
إنَّ اللَّه الذي لا يتخلَّى عن أحد من خليقته، اهتم بالعالم الوثني، وساعده على أن يترك عبادة الأصنام ويصير مؤمناً. وكذلك العالم الذي من قبل يؤمن بتعدد الآلهة، كيف قاده إلى تركها ليؤمن بالإله الواحد خالق السماء والأرض.
?? حقاً إنَّ اللَّه هو إله الكل. كان إلهاً لهؤلاء الوثنيين، وصبر عليهم حتى آمنوا به .. وكان إلهاً لليونان الذين آمنوا بجمهرة من الآلهة تحت قيادة زيوس، وصبر عليهم حتى آمنوا به. وكان إلهاً للمصريين القدماء الذين آمنوا بآلهة كثيرة منها: رع وآمون وأوزوريس وإيزيس وحورس وغيرها، ولكنه صبر عليهم حتى آمنوا به.
إنه إله كل هؤلاء. وفترة بعدهم عنه، لم تجعله يعتبرهم غرباء عن رعيته. هكذا فترة الشيوعية المُلحدة في روسيا، كان اللَّه هو هو، يرعاهم ويهتم بهم، إلى عادوا إليه.
?? إنَّ اللَّه هو إله الكل، سواء ضلُّوا عن الإيمان أو عن حياة البر. ما أجمل عبارة القديس أوغسطينوس عن حياته السابقة في الخطية: " كنت يارب معي. ولكنني من فرط شقوتي لم أكن معك ". عجيب أن يقول إن الرب كان معه، وهو خاطئ! نعم كان معه، وبذلك استطاع أن يُغيِّر حياته إلى البر، وإلى التوبة، وإلى النمو في ذلك حتى أوصله إلى القداسة.
?? إنَّ اللَّه هو إله الكل، مهما كانت حياتهم مُتغيِّرة. هو إله المجاهدين الذين يبذلون حياتهم وجهدهم في خدمة الآخرين، وفي نفس الوقت هو إله العُبَّاد والنُّسَّاك الذين يقضون حياتهم في الصلاة والتأمُّل والنُّسك.
?? إنه إله البُسطاء، والحُكماء. إله الجُهلاء والعُلماء. ليس الكل طبيعة واحدة، ولا عقلية واحدة. ولكنهم كلهم خليقة واحدة، لإله واحد، يضمهم جميعاً تحت رعايته. ويهتم بالكل ليكونوا جميعاً أبناء للملكوت.
?? حقاً إن ملكوت اللَّه، سيضُم أُناساً من أنواع شتَّى، واللَّه سيقبلهم، بشرط نقاوة قلوبهم، مهما كانت درجتهم أو نوعية عملهم. يكفي أن يكونوا أنقياء القلب، حتى لو كانوا ضُعفاء في مستواهم، أو صغاراً في سِنّهم.
مادام اللَّه للكل، فهو لا يرفض أحداً. وحتى الذين يرفضونه، لا يأخذهم بجهالتهم، وإنما يحاول أن ينقذهم من هذا الرفض. تارة بترغيبهم في الحياة الروحية. وتارة بتجارب ترجعهم إليه.
ومادام اللَّه للكل، فليس هناك مهمُّون ومُهمَّشُون. بل كل إنسان يشعر باهتمام اللَّه به أيَّاً كانت ظروفه. فطبيعة اللَّه الحانية المملوءة من الشفقة على الكل، ترتبط أيضاً بعمل اللَّه الرعوي. لأنه يرعى الكل. وهكذا يشعر كل إنسان أنَّ اللَّه يرعاه وأنه يقود خطواته. حتى إن أخطأ الطريق، يصلح له طريقه ولكن لا يتخلَّى عنه.
مُبارك هو اللَّه الذي بعد أن خلق العالم كله، ظلَّ يعتني بكل مَن فيه، مهتماً بكل فرد من خليقته، يريد الخير للجميع، سواء هنا على الأرض، أو في المصير الأبدي. ولا يوجد أحد لم ينل من فيض نعمته ... أمَّا الهالكون فهم الذين اختاروا لأنفسهم الضياع، وأصرُّوا على ذلك، ورافضين للنعمة[right][list=1][*]